کد مطلب:109899 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:166

خطبه 181-توحید الهی











ومن خطبة له علیه السلام

روی عن نوف البكالی قال: خطبنا بهذه الخطبة أمیرالمؤمنین علیّ علیه السلام بالكوفة وهو قائم علی حجارة، نصبها له

جَعْدَة بن هُبَیْرة المخزومی، وعلیه مِدْرَعَةٌ من صُوف وحمائل سیفه لِیفٌ، وفی رجلیه نعلان من لِیفٍ، وكأنّ جبینه ثَفِنَةُ من اثر السجود. فقال علیه السلام:

حمد الله واستعانته

الْحَمْدُ لله الَّذِی إلَیْهِ مَصَائِرُ الْخَلْقِ، وَعَوَاقِبُ الْأَمْرِ، نَحْمَدُهُ عَلَی عَظِیمِ إِحْسَانِهِ، وَنَیِّرِ بُرْهَانِهِ، وَنَوَامِی فَضْلِهِ وَامْتِنَانِهِ، حَمْداً یَكُونُ لِحَقِّهِ قَضَاءً، وَلِشُكْرِهِ أَدَاءً، وَإلَی ثَوَابِهِ مُقَرِّباً، وَلِحُسْنِ مَزِیدِهِ مُوجِباً. وَنَسْتَعِینُ بِهِ اسْتِعَانَةَ رَاجٍ لِفَضْلِهِ، مُؤَمِّلٍ لِنَفْعِهِ، وَاثِقٍ بِدَفْعِهِ، مُعْتَرِفٍ لَهُ بِالطَّوْلِ، مُذْعِنٍ لَهُ بِالْعَمَلِ وَالْقَوْلِ. وَنُؤْمِنُ بِه إِیمَانَ مَنْ رَجَاهُ مُوقِناً، وَأَنَابَ إِلَیْهِ مُؤْمِناً، وَخَنَعَ لَهُ مُذْعِناً، وَأَخْلَصَ لَهُ مُوَحِّداً، وَعَظَّمَهُ مُمَجِّداً، وَلاَذَ بِهِ رَاغِباً مُجْتَهِداً.

الله الواحد

لَمْ یُولَدْ سُبْحَانَهُ فَیَكُونَ فِی الْعِزِّ مُشَارَكاً، وَلَمْ یَلِدْ فَیَكُونَ مُوْرُوثاً هَالِكاً، وَلَمْ یَتَقَدَّمْهُ وَقْتٌ وَلاَ زَمَانٌ، ولَمْ یَتَعَاوَرْهُ زِیَادَةٌ وَلاَ نُقْصَانٌ، بَلْ ظَهَرَ لِلْعُقُولِ بِمَا أَرَانَا مِنْ عَلاَمَاتِ التَّدْبِیرِ الْمُتْقَنِ، وَالْقَضَاءِ الْمُبْرَمِ. فَمِنْ شَوَاهِدِ خَلْقِهِ خَلْقُ السَّماوَاتِ مُوَطَّدَاتٍ بِلاَ عَمَدٍ، قَائِمَاتٍ بِلاَ سَنَدٍ، دَعَاهُنَّ فَأَجَبْنَ طَائِعَاتٍ مُذْعِنَاتٍ، غَیْرَ مُتَلَكِّئَاتٍ وَلاَ مُبْطِئَاتٍ، وَلَوْلاَ إقْرَارُهُنَّ لَهُ بِالرُّبُوبِیَّةِ وَإِذْعَانُهُنَّ بِالطَّوَاعِیَةِ، لَمَا جَعَلَهُنَّ مَوْضِعاً لِعَرْشِهِ، وَلاَ مَسْكَناً لِمَلائِكَتِهِ، وَلاَ مَصْعَداً لِلْكَلِمِ الطَّیِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مِنْ خَلْقِهِ. جَعَلَ نُجُومَهَا أَعْلاَماً یَسْتَدِلُّ بِهَا الْحَیْرَانُ فِی مُخْتَلِفِ فِجَاجِ الْأَقْطَارِ، لَمْ یَمْنَعْ ضَوْءَ نُورِهَا ادْلِهْمَامُ سُجُفِ اللَّیْلِ الْمُظْلِمِ، وَلاَ اسْتَطَاعَتْ جَلاَبِیبُ سَوَادِ الْحَنَادِسِ أَنْ تَرُدَّ مَا شَاعَ فِی السَّماوَاتِ مِنْ تَلاَْلُؤِ نُورِ الْقَمَرِ. فَسُبْحَانَ مَنْ لاَ یَخْفَی عَلَیْهِ سَوَادُ غَسَقٍ دَاجٍ، وَلاَ لَیْلٍ سَاجٍ، فِی بِقَاعِ الْأَرَضِینَ الْمُتَطَأْطِئَاتِ، وَلاَ فی یَفَاعِ السُّفْعِ الْمُتَجَاوِرَاتِ، وَمَا یَتَجَلْجَلُ بِهِ الرَّعْدُ فِی أُفُقِ السَّماءِ، وَمَا تَلاَشَتْ عَنْهُ بُرُوقُ الْغَمَامِ، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَة تُزِیلُهَا عَنْ مَسْقَطِهَا عَوَاصِفُ الْأَنْوَاءِ وَانْهِطَالُ السَّماءِ ! وَیَعْلَمُ مَسْقَطَ الْقَطْرَةِ وَمَقَرَّهَا، وَمَسْحَبَ الذَّرَّةِ وَمَجَرَّهَا، وَمَا یَكْفِی الْبَعُوضَةَ مِنْ قُوتِهَا، وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَی فِی بَطْنِهَا.

عود إلی الحمد

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَائِنِ قَبْلَ أَنْ یَكُونَ كُرْسِیٌّ أَوْ عَرْشٌ، أَوْ سَمَاءٌ أَوْ أَرْضٌ، أَوْ جَانٌّ أَوْ إِنْسٌ. لاَ یُدْرَكُ بِوَهْمٍ، وَلاَ یُقَدَّرُ بِفَهْمٍ، وَلاَ یَشْغَلُهُ سَائِلٌ، وَلاَ یَنْقُصُهُ نَائِلٌ، وَلاَ یَنْظُرُ بِعَیْنٍ، وَلاَ یُحَدُّ بِأَیْنٍ، وَلاَ یُوصَفُ بِالْأَزْوَاجِ، وَلاَ یُخْلَقُ بِعِلاَجٍ، وَلاَ یُدْركُ بِالْحَوَاسِّ، وَلاَ یُقَاسُ بِالنَّاسِ. الَّذِی كَلَّمَ مُوسی تَكْلِیماً، وَأَرَاهُ مِنْ آیَاتِهِ عَظیماً، بِلاَ جَوَارِحَ وَلاَ أَدَوَاتٍ، وَلاَ نُطْقٍ وَلاَ لَهَوَاتٍ. بَلْ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً أَیُّهَا الْمُتَكَلِّفُ لِوَصْفِ رَبِّكَ، فَصِفْ جَبْرَئیلَ وَمِیكَائِیلَ وَجُنُودَ الْمَلاَئِكَةِ الْمُقَرَّبِینَ، فِی حُجُراتِ الْقُدُسِ مُرْجَحِنِّینَ، مُتَوَلِّهَةً عُقُولُهُمْ أَنْ یَحُدُّوا أَحْسَنَ الْخَالِقینَ. فَإنَّمَا یُدرَكُ بِالصِّفَاتِ ذَوُوالْهَیْئَاتِ وَالْأَدوَاتِ، وَمَنْ یَنْقَضِی إِذَا بَلَغَ أَمَدَ حَدِّهِ بِالْفَنَاءِ. فَلاَ إلهَ إلاَّ هُوَ، أَضَاءَ بِنُورِهِ كُلَّ ظَلاَمٍ، وَأَظْلَمَ بِظُلْمَتِهِ كُلَّ نُورٍ.

الوصیة بالتقوی

أُوصِیكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَی اللهِ الَّذِی أَلْبَسَكُمُ الرِّیَاشَ، وَأَسْبَغَ عَلَیْكُمُ الْمَعَاشَ; فَلَوْ أَنَّ أَحَداً یَجِدُ إلَی الْبَقَاءِ سُلَّماً، أَوْ لِدَفْعِ الْمَوْتِ سَبِیلاً، لَكَانَ ذلِكَ سُلَیْمانُ بْنُ دَاوُد َعَلَیْهِ السَّلامُ، الَّذِی سُخِّرَ لَهُ مُلْكُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، مَعَ النُّبُوَّهِ وَعَظِیمِ الزُّلْفَةِ، فَلَمَّا اسْتَوْفَی طُعْمَتَهُ، وَاسْتَكْمَلَ مُدَّتَهُ، رَمَتْهُ قِسِیُّ الْفَنَاءِ بِنِبَالِ المَوْتِ، وَأَصْبَحَتِ الدِّیَارُ مِنْهُ خَالِیَةً، َالْمَسَاكِنُ مُعَطَّلَةً، وَرِثَهَا قَوْمٌ آخَرُونَز وَإِنَّ لَكُمْ فِی الْقُرُونِ السَّالِفَةِ لَعِبْرَةً! أَیْنَ الْعَمَالِقَةُ وَأَبْنَاءُ الْعَمَالِقَةِ! أَیْنَ الْفَرَاعِنَةُ وَأَبْنَاءُ الْفَرَاعِنَةِ! أَیْنَ أَصْحَابُ مَدَائِنِ الرَّسِّ الَّذِینَ قَتَلُوا النَّبِیِّینَ، وَأَطْفَأُوا سُنَنَ الْمُرْسَلِینَ، وَأَحْیَوْا سُنَنَ الْجَبَّارِینَ! أَیْنَ الَّذِینَ سَارُوا بِالْجُیُوشِ، وَهَزَمُوا بالْأُلُوفَ، وَعَسْكَرُوا الْعَسَاكِرَ، وَمَدَّنُوا الْمَدَائِنَ! منها: قَدْ لَبِسَ لِلْحِكْمَةِ جُنَّتَهَا، وَأَخَذَهَا بِجَمِیعِ أَدَبِهَا، مِنَ الْإِقْبَالِ عَلَیهَا، وَالْمَعْرِفِةِ بهَا، وَالتَّفَرُّغِ لَهَا، فَهِیَ عِنْدَ نَفْسِهِ ضَالَّتُهُ الَّتِی یَطْلُبُهَا، وَحَاجَتُهُ الَّتِی یَسْأَلُ عَنْهَا، فَهُوُ مُغْتَرِبٌ إِذَا اغْتَرَبَ الْإِسْلاَمُ، وَضَرَبَ بِعَسِیبِ ذَنَبِهِ، وَأَلْصَقَ الْأَرْضَ بِجِرَانِهِ، بَقِیَّةٌ مِنْ بَقَایَا حُجَّتِهِ، خَلِیفَةٌ مِنْ خَلاَئِفِ أَنْبِیَائِهِ. ثم قال علیه السلام:

أَیُّهَا النَّاسُ، إِنِّی قَدْ بَثَثْتُ لَكُمُ الْمَوَاعِظَ الَّتِی وَعَظَ الْأَنْبِیَاءُ بِهَا أُمَمَهُمْ، وَأَدَّیْتُ إِلَیْكُمْ مَا أَدَّتِ الْأَوصِیَاءُ إِلَی مَنْ بَعْدَهُمْ، وَأَدَّبْتُكُمْ بِسَوْطِی فَلَمْ تَسْتَقِیمُوا، وَحَدَوْتُكُمْ بالزَّوَاجِرِ فَلَمْ تَسْتَوْسِقُوا. لِلَّهِ أَنْتُمْ! أَتَتَوَقَّعُونَ إِمَاماً غَیْرِی یَطَأُ بِكُمُ الطَّرِیقَ، وَیُرْشِدُكُمُ السَّبِیلَ؟ أَلاَ إِنَّهُ قَدْ أَدْبَرَ مِنَ الدُّنْیَا مَا كَانَ مُقْبِلاً، وَأَقْبَلَ مِنْهَا مَا كَانَ مُدْبِراً، وَأَزْمَعَ التَّرْحَالَ عِبَادُاللهِ الْأَخْیَارُ، وَبَاعُوا قَلِیلاً مِنَ الدُّنْیَا لاَ یَبْقَی، بِكَثِیرٍ مِنَ الْآخِرَةِ لاَیَفْنَی. مَا ضَرَّ إِخْوَانَنَا الَّذِینَ سُفِكَتْ دِمَاؤُهُمْ ـ وَهُمْ بِصِفِّینَ ـ أَلاَّ یَكُونُوا الْیَوْمَ أَحْیَاءً؟ یُسِیغُونَ الْغُصَصَ، وَیَشْرَبُونَ الرَّنْقَ ! قَدْ ـ وَاللهِ ـ لَقُوا اللهَ فَوَفَّاهُمْ أُجُورَهُمْ، وَأَحَلَّهُمْ دَارَ الْأَمْنِ بَعْدَ خَوْفِهمْ. أَیْنَ إِخْوَانِی الَّذِینَ رَكِبُوا الطَّریقَ، وَمَضَوْا عَلَی الْحَقِّ؟ أَیْنَ عَمَّارٌ ؟ وَأَیْنَ ابْنُ التَّیِّهَانِ ؟ وَأَیْنَ ذُوالشَّهَادَتَیْنِ ؟ وَأَیْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِینَ تَعَاقَدُوا عَلَی الْمَنِیَّةِ، وَأُبْرِدَ بِرُؤوسِهِمْ إِلَی الْفَجَرَةِ؟ قال: ثمّ ضرب بیده إلی لحیته الشریفة الكریمة، فأطال البكاء، ثمّ قال علیه السلام: أَوِّهِ عَلَی إِخْوَانِی الَّذِینَ تَلَوُا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ، وَتَدَبَّرُوا الْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ، أَحْیَوُا السُّنَّةَ، وَأمَاتُوا الْبِدْعَةَ، دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا، وَوَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوا. ثمّ نادی بأعلی صوته: الْجِهَادَ الْجِهَادَ عِبَادَ اللهِ! أَلاَ وَإِنِّی مُعَسْكِرٌ فِی یَوْمی هذَا، فَمَنْ أَرَادَ الرَّوَاحَ إِلَی اللهِ فَلْیَخْرُجْ. قال نوْفٌ: وعقد للحسین -علیه السلام- فی عشرة آلاف، ولقیس بن سعد-رحمه الله- فی عشرة آلافٍ، ولابی أیوب الانصاری فی عشرة آلافٍ، ولغیرهم علی أعداد أخر، وهو یرید الرجعة إلی صفین، فما دارت الجمعة حتی ضربه الملعون ابن ملجم لعنه الله، فتراجعت العساكر، فكنّا كأغنام فقدت راعیها، تختطفها الذئاب من كل مكان!